أمواج ناعمة ..الخرطوم وموسكو.. ما وراء الأكمة؟
أوضاع اقتصادية ضاغطة يعيشها السودان حاليا وربما كانت الأسوأ منذ أن تقلد الرئيس عمر البشير السلطة في يونيو 1989 أي قبل نحو ثلاثين عاما.. فيما يبدو أن ارتباك الطاقم الاقتصادي الحكومي يتسيّد الموقف، حيث تتعدد القرارات المتعلقة بالسياسات المالية وربما تتضارب وفي ذات الوقت ينطلق جماح التضخم ليبلغ معدلات غير مسبوقة.
في هذه الأجواء المكفهرة عمد الرئيس البشير إلى الكشف عن برنامج لتطوير الجيش السوداني بالتعاون مع الجانب الروسي.. وقال البشير أمس الأول الخميس إن هذا التطوير يهدف إلى التصدي لأي تهديد يواجه البلاد.. توقيت هذا الاعلان لم يكن متزامنا مع زيارته إلى روسيا في نوفمبر الماضي، وانما جاء بعد مضي أكثر من شهرين على تلك الزيارة التي نقلت عنه وسائل إعلام سودانية محلية آنذاك القول إنه طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “حماية بلاده” لمواجهة التصرفات “العدائية” الأمريكية.
ومما أثار الاستغراب أن التحول السوداني الدراماتيكي تجاه روسيا جاء عقب أسابيع قليلة من رفع الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية التي فرضتها على السودان لنحو عشرين عاما.. بيد أن هذا الاستغراب يتقزم أمام استغراب آخر، فبينما يتحدث البشير في ذات الوقت عن ما أسماه بالقطط السمان التي تمتص قوت الشعب في إشارة إلى الفاسدين، يعلن عن تطوير الجيش ضد المهددات الخارجية.. ومعلوم أن محاربة الفساد الداخلي تتطلب عُدة وعتادا من نوع آخر. كذلك تحدث البشير في ذات الوقت قائلا: “الحاجة الآن لكتائب إلكترونية لمواجهة الحرب التي تواجه البلاد لإلحاق الهزيمة النفسية بالسودانيين”، مما يشير إلى أن ثمة حربا إلكترونية يدعو لمواجهتها. فكيف يتم الربط بين إظهار عزم الدولة على مكافحة الفساد في الداخل، في محاولة لتهدئة غضب الجماهير من ارتفاع الأسعار الجنوني، وبين ذاك الإعلان المتعلق بتطوير قدرات الجيش في هذا التوقيت؟.
ربما يقول قائل إن التلويح بالقوة العسكرية الذي قد يكون موجها إلى الداخل أكثر منه للخارج يعتبر سمة من سمات الحكومات العسكرية ذات السيطرة المطلقة على مفاصل الدولة سواء كان في الناحية السياسية أو الاقتصادية، حيث يتم تطويع مختلف أدوات السيطرة في البلاد بالإكراه أو بالتهديد بالقوة المطلقة.
أما هل ينقذ التقارب العسكري بين الخرطوم وموسكو الحكومة السودانية من الغرق الوشيك في بحر الأزمة الاقتصادية المتلاطم، فتلك أمنيات الحكومة السودانية قد يشكك فيها الكثيرون على الأقل في المدى القصير.. فمن ناحية من شأن ذلك التقارب تأجيج التوتر مع واشنطن التي لا تزال تضع الخرطوم على قائمة الدول الراعية للإرهاب رغم قرار رفع العقوبات الاقتصادية.
لكن لابد من الاشارة إلى أن الولايات المتحدة خططت في أواخر العام 2015 لتمرير قرار في مجلس الأمن بهدف فرض حظر على تصدير الذهب من السودان. بعد أن أصبح السلعة الأساسية للعملة الصعبة بعد أن ذهب جنوب البلاد ببتروله، إلا أن مشروع القرار فشل، باعتراض روسي صيني.
قد تنجح الخرطوم في اللعب على وتر سعي روسيا الحثيث لموطئ قدم في منطقة البحر الأحمر بعد سيطرتها على الأوضاع في سوريا. ومن هنا تأتي فرصة العرض السوداني بالسماح لروسيا بإقامة قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر مغرية لروسيا. وظل السودان يسعى لخطب ود موسكو منذ نحو عقدين من الزمان، ففي العام 2002 زار وزير الدفاع السوداني روسيا. وتم خلالها اعداد اتفاقية التعاون العسكري التقني بين الحكومتين الروسية والسودانية، والتي تم التوقيع عليها في العام 2003 وذلك خلال زيارة قام بها يوري خوزيانينوف نائب رئيس لجنة التعاون العسكري والتقني الروسية إلى الخرطوم.
الشرق القطرية ١٠/٠٢/٢٠١٨