(أوْلِنِي اهتمامك)! ضياء الدين بلال

-1-
صديقنا العزيز الصحفي الرياضي المطبوع، أبوعاقلة اماسا، شفاه الله وعافاه، ألمَّت به علَّة مَرَضيَّة استمرَّت أربعة أشهر.
فعل كُلَّ ما يستطيع طلباً للشفاء، وقابل عدداً من الأطباء، وأجرى كثيراً من الفحوصات، ومع ذلك كان وضعه الصحي يمضي إلى الأسوأ يوماً بعد يوم.. هزالٌ وإعياءٌ وفقدانُ لشهيَّة الأكل.
كثيرون غير أبوعاقلة، مرَّوا، هم أو أقاربهم، بتجارب مُشابهة، فكان قرارهم السفر إلى الخارج، وغالباً ما تكون القاهرة الخيار المُفضَّل أو المُتاح.
-2-

رغم كثيرٍ من الصعوبات والإحباطات المُحيطة بالحقل الصحيِّ السودانيِّ، والتي تُرَدُّ في الأساس للوضع الاقتصادي العام، لا يُنكر مُنصفٌ وجود إشراقات طبيَّة هنا وهناك، ومجهودات تُبذل بصدقٍ وإخلاص.
كثيرٌ من العاملين في الحقل الطبي من أطباء ومساعدين، يُواجهون ظروفاً صعبة، وعقباتٍ مُعيقة، أثناء مُمارسة عملهم الإنساني.
البيئة غير مُهيَّأة لتقديم الخدمة المُتميِّزة، والإمكانيَّاتُ شحيحةٌ لا تُغطِّي عورة الحاجة، والعائد المالي غير مُجزٍ مع ارتفاع مُعدَّلات التضخُّم وتدهور الوضع الصحيِّ للجنيه!
غالبُ المرضى لا يملكون من المال ما يفي بمُتطلَّبات العلاج. ومن لهم مقدرةٌ على ذلك، قد لا يجدون الأدوية في الصيدليات مع صراعات الكبار: حميدة ضد خلف الله، وكمبال في مواجهة الزين، وسوار الدهب يسعد بالانتصار.
-3-
كُلُّ ما ذُكِرَ معروفٌ ومعلومٌ للجميع، بالتجربة الشخصية المُباشرة أو بالمُشاهدة والمُعايشة لمُعاناة آخرين، لا جديد يُضاف إلى تلك الصورة.
لكنَّ أبوعاقلة اماسا، بقلمه الرَّشيق المُعافى من الأغراض الشخصية وأمراض مهنة الصحافة، كتب على صفحته في (فيسبوك)، عن تجربته العلاجية في القاهرة، مُقارنةً بتجربة الخرطوم.
-4-
توقَّفتُ طويلاً على نقطة ذكرها اماسا كنتُ كثيراً ما أُفكِّر فيها، وأبحث لها عن أسباب. كتب أبوعاقلة:
(في السودان اجتهدت لمقابلة اختصاصيِّ كلى ومسالك بولية بشارع الدكاترة، وكنتُ وقتها في قمة المعاناة، وتمكَّنتُ من وصول العيادة بشقِّ الأنفس، ولكنَّ الدكتور الذي تجاوز الثامنة والخمسين من عمره تقريباً، كان يبدو وكأنه يريد اللَّحاق بطائرة إلى أمريكا، اختصرني في أيِّ شيء، ولم يسمع شكواي وما أُعانيه بشكل كافٍ، وسارع لكتابة الوصفة (أموكلان)، ووقتها كانت سابقاتها قد قامت بواجب تدمير الشهية، أما في مصر فكانت مقابلة الطبيب (غير) وشكل المستشفى نفسه شيء مُختلف.. الدكتور محمد حجازي جلس واستمع لكُلِّ ما أشكو منه دون أن يُقاطعني.. وبعد أن استمع لي لقرابة 25 دقيقة سألني: جاتك بلهارسيا قبل كده؟.. أجبته: نعم.. كنت في أولى متوسطة وعالجتها.. وأردف ذلك السؤال بحوالي عشرين سؤالاً لم أمل من إجاباتها، لأنها كانت من صلب ما أُعانيه، تذكَّرت ذلك الاستشاري الذي قابلتُه بشارع الدكاترة بأم درمان، وهو يجتهد في اختصاري، ورغم أن فاتورته ابتلعت ما يُساوي مُرتَّبي لشهر ونصف، إلا أنه لم يمنحني أكثر من خمس دقائق فقط)!!!
-5-

نعم، ما ذكره أبوعاقلة، يُمثِّل طريقة تعامل غالب الأطباء السودانيين مع مرضاهم، لا في المرافق الصحية الحكومية فقط، ولكن حتى في المُستشفيات والعيادات الخاصة.
عددٌ مُقدَّرٌ من الأطباء، يتعاملون مع مرضاهم بجفاء بائن أو حياد فاتر، كأنهم ضيوفٌ منزليُّون ثُقلاء، يحرصون على التخلُّص منهم في أسرع وقت.
أطباء ملامحهم عابسة وأُنوفهم عالية، يستمعون للمرضى بضيقٍ وعدم اهتمام، وأثناء استماعهم لا يرفعون رؤوسهم عن الأوراق التي أمامهم.
تجد بعضهم ينقرون بأصابعهم على الطاولة، أو ينظرون إلى ساعاتهم وربما انشغلوا عن مريضهم باتِّصال هاتفي أو مُمازحة مع شخصٍ عابر.
-6-
للسيّد رئيس الوزراء معتز موسى تجربة شخصية، في أول أيَّام تعيينه، حينما رافق نجله المريض لمُستشفى خاص.
وجد رئيس الوزراء الأب، لا مبالاة من قِبَلِ أطباء الطوارئ، رغم توجُّع الابن أمام أعينهم، فاستدعى معتز أبو الطيب المتنبي: (فَليُسْعِدِ النُّطْقُ إنْ لم تُسعِدِ الحالُ).
إذا كان ذلك يحدث لرئيس الوزراء، فما بال ما يحدث للمواطنين وغمار الناس؟!
وإذا كان ذلك يحدث في المستشفيات الخاصة (5 نجوم)، فكيف يكون الحال في المستشفيات الحكومية؟!
-أخيراً-
شفى الله أبوعاقلة، وعافى أولئك الأطباء من برود الإحساس، وضعف الضمير، حتى يعطوا المرضى من الوقت والاهتمام وبعض الابتسام بقدر ما يحصدون منهم من أموال!

 

 

 

اقرأ أيضًا
تعليقات
Loading...