الركابي فى الراوات .. منجاتك ومخرجنا ! تحليل سياسي : محمد لطيف
ما زلت اذكر بود مفعم بالذكريات .. رحلتي من كوستي الي الرنك برا .. فى ارض مسطحة تكاد تنحدر بدرجة واحدة جنوبا .. ثم اذكر بتفاصيل غريبة تجوالى من الجبلين الى الحديب الى الراوات الى القيقر الخ .. قبل ان اعبر النهر الى ام كويكة .. لا تسألني لماذا .. كان ذلك مطلع عقد الثمانين من القرن المنصرم .. ورغم هذا المدى الزمنى .. خلت ان أمرا شخصيا يخصني قد وقع حين سمعت نحو العام ٢٠١٠ ان حقلا للنفط قد اكتشف فى الراوات جنوب كوستي .. جن جنونى .. فرحت الاحق السيد الزبير احمد الحسن وزير النفط آنذاك .. والذى أكد لي صحة المعلومات .. مع تأكيد اخر بانه من السابق لأوانه الحديث عن نفط فى الراوات .. غمنى الامر ولكننى لم أيأس .. ولَم افقد الأمل .. ورغم الصمت المطبق الذى حاط بهذه الراوات حينا .. ثم الشائعات التى نسجت. حولها احيانا .. الا أننى لسبب ما ظللت علي قناعة بان الراوات لن تخذلنى قط ..!
ومع مطلع الاسبوع اتصلت بى الاستاذة شادية عربى ملكة الاعلام الإقتصادى عموما .. و النفطى على وجه الخصوص .. لتقول لى .. وزير النفط يرغب فى ان ترافقه الى حقل الراوات .. كاد قلبى ان ينخلع .. كنت الأكثر حماسا .. فقد شعرت لحظتها أننى اراهن جهة ما لم أتبين كنهها .. ان حقل الراوات سينتج .. فذهبت .. وجدت عجبا .. ان شركة الراوات التى تنفذ العمليات النفطية كافة من الاستكشاف وحتى الانتاج هى شركة سودانية .. لا تتجاوز حصة الأجانب فيها الثلاثون فى المئة .. اما الأهم من ذلك فهو ان الوجود الأجنبي في الشركة يساوى صفرا .. نعم صفرا .. كل الكوادر العاملة فى هذه الشركة التى تتولى كافة الاعمال النفطية فى هذا الحقل هى سودانية دما ولحما .. ثقافة وعلما وخبرة .. و حين أبدى دهشتي .. يابى الدكتور عبد الرحمن عثمان وزير النفط والغاز الا ان يزيد دهشتي وهو يقول .. منذ فجر تفجر النفط السوداني كانت الكوادر التي قادت العمل ودربت الآخرين .. عدا الكنديين ربما .. كوادر سودانية .. حديث مدهش ولكنه يؤكد الواقع ولا ينفيه .. اما المفاجأة الحقيقية .. فهى ان هؤلاء الشباب قد انجزوا ثلاثة عشر بئرا بامتداد الحقل الذى يقع علي بعد مائة وسبعين كيلومترا من كوستي .. وان الانتاج كان يفترض ان يبدأ نهاية العام ٢٠١٧ .. ولكن توالى الاكتشافات وزيادة الكميات .. دفعت وزارة الطاقة لتأجيل الانتاج لبداية هذا العام .. حتي تستوعب اليات الانتاج والضخ هذه الكميات الإضافية .. بفرح طفولى تقول المهندسة عائشة .. العقل المشغل للحقل .. وان اتطلع لكميات من الزيت الأسود تندفع من فوهة ماسورة الي احدى التناكر .. تقول عائشة ( كل هذا الا ندفاع بكل هذه الكمية .. هو نتيجة الدفع الذاتي من البئر دون اى دعم او تدخل .. ان معدل الانتاج يتجاوز الألفي برميل فى الْيَوْمَ الواحد .. وزير النفط والغاز. أعلن ان المخزون النفطى في البلاد بفضل الراوات وبجهد الكوادر السودانية .. قد قفز من ١٩ مليون برميل الي ١٦٥ مليون برميل .. قال الوزير .. هذا يكفي للعودة بالسودان الى مربع الانتاج النفطى .. او المربع الذهبي .. و بالتالي الخروج بالشعب من نفق الضيق .. و يعزز ذلك مدير شركة الراوات للعمليات النفطية حين يقول .. سندخل الانتاج بنحو عشرة الف برميل يوميا .. المفارقة ان هذا المشروع العملاق يشكو من نقص التمويل ..قلت فى سرى وأصرح بها الان .. عن اى انتاج يتحدثون إذن .. لو كنت مكان وزير المالية لحملت كل مخصصات التنمية في ميزانيته الآيلة للسقوط .. و لاقمت بحقل الراوات .. أغدق عليه كل ما تيسر .. ليتدفق النفط وينقذ الاقتصاد من الانهيار .. !