امواج ناعمة

شعوب تحت وطأة الحروب

بينما تنعم شعوب بالرفاهية والتنمية والاستقرار، وحتى الكلاب والقطط في ضيافتها ترفل في ذلك النعيم، تعيش شعوب أخرى تحت وطأة الحروب. شعوب المنطقة العربية والإسلامية ظلت منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية وقودا لحروب الكبار المتهافتين على خيرات أراضيهم، الحروب تقتل وتدمر وتيتم الأطفال وتشرد الأسر، فضلا عن الذل والهوان والفقر والمرض. اليوم الاكتئاب يظلل هذه الشعوب ولا غرابة أن التأثير النفسي للحروب ربما كان أشد مضاضة من وقع القتل واالدمار، إنها الحرب، تسرق الأحاسيس والمشاعر والفرح، وتغتال الأحلام والآمال والأمنيات.
عقب الحرب العالمية الثانية، نشبت الحرب الباردة بين الكبار وكان التصدي للشيوعية من جانب الإمبريالية هو المحرك للمزيد من أعمال التدمير والقتل الجماعي والإرهاب، وحتى بعد سقوط جدار برلين الذي كان بداية انهيار الشيوعية ممثلة في الاتحاد السوفييتي، إلا أن صراع الكبار استمر إلى اليوم وبذات الدوافع، وهي التنافس على الموارد الاستراتيجية التي تزخر بها أراضي الشعوب المنكوبة بهذا الصراع.
اليوم الشعب السوري يمثل نموذجا صارخا للشعوب التي تعيش تحت وطأة الحروب. هناك في الغوطة الشرقية تجري ذات العمليات العسكرية التي جرت في الحرب العالمية الثانية، بل إنها أكثر فظاعة وبآلة أكثر دمارا وفتكا، مَنْ منَّا لم تتقطع نياط قلبه، وهو يرى صورة تلك الطفلة ذات السنوات العشر، وقد أسلمت الروح وهي تحتضن أختها الرضيعة، وهي كانت تحاول وضع كمامات الأكسجين لها، وكلتاهما كانتا متأثرتين بغاز الكلور السام الذي أطلقته قوات بشار الأسد المدعومة من قبل روسيا. 
لم تتطور الحرب الأهلية في سوريا إلى حرب مدمرة إلا بسبب صراع الكبار روسيا والولايات المتحدة وآخرين دونهما يسبِّحون بحمدهما ويدورون في فلكهما. الحكومة السورية وحليفتها موسكو تتهم المقاومين بقصف الممرات المعدة لعمليات الإجلاء. بينما يتهم الثوار المعارضون لنظام الأسد، روسيا بمواصلة القصف الجوي والمدفعي خلال ساعات التهدئة المزعومة. أكثر من 580 شخصا قتلوا في الغوطة الشرقية منذ بدأت دمشق وحلفاؤها قصفهم المكثف للمنطقة في 18 فبراير الماضي. وتعرض نحو 14 مستشفى و3 مراكز طبية وسيارات إسعاف لهجمات بين 18 و22 فبراير الماضي.

مجلس الأمن الدولي الذي يضم 15 دولة، منها 5 دول دائمة العضوية تتمتع بحق الرفض لقرارات هذا المجلس، أمر في قرار أصدره بوقف إطلاق النار في كافة أنحاء سوريا دون إبطاء لمدة 30 يوما على الأقل للتمكن من تنفيذ عمليات إيصال المساعدات الإنسانية والإجلاء. بيد أن ذلك لم يتحقق وتم الالتفاف على القرار باتفاق أطراف النزاع على وقف يستمر فقط 5 ساعات في اليوم. واكتفى منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا بالقول بأن “الوضع في الغوطة الشرقية يخلو من الاحترام للقانون الإنساني”. ولم يقل إن روسيا العضو الدائم في مجلس الأمن لا تحترم القانون الدولي.
برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في تقرير له نوفمبر الماضي، أكد أن سكان الغوطة يعانون من نقص شديد في الغذاء، لدرجة أنهم يأكلون القمامة ويفقدون الوعي بسبب الجوع ويجبرون أطفالهم على التناوب على تناول الطعام. وتناقص سكان الغوطة من مليوني ونصف المليون قبل العام 2011، إلى نحو 400 فقط. وقدر الغوطة أنها موقع إستراتيجي مهم، فهي ملاصقة للعاصمة دمشق وقريبة من مطارها الدولي، كما أنها ليست بعيدة عن مواقع عسكرية مهمة مثل مطار مرج السلطان. 
واحتمالات الحرب العالمية الثالثة تتزايد وطبولها تُدق في كل حين؛ ماذا أعددنا لها نحن شعوب وحكومات هذا الجزء من العالم، سيما وأن المؤشرات تؤكد أن بلادنا ستكون مسرحا وميدانا للمتحاربين الرئيسيين. فإن كان وضع الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا معلوم، نجد أن الصين عزّزت من قدراتها العسكرية، وحتى القوى الإقليمية الأخرى مثل إيران وإسرائيل لديها قدر من الاستعداد أو على الأقل القيام بأدوار لصالح الكبار.

الشرق القطرية ٠٣/٠٣/٢٠١٨

اقرأ أيضًا
تعليقات
Loading...