جدد تعهده بخروج الجيش من الملعب السياسي..(البرهان) من (أم سيالة).. رسائل في بريد القوى المدنية
الخرطوم : SNN
تقرير : محمد جمال قندول
أطل رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان مجدداً صباح أمس، بتصريحات من منطقة ام سيالة بشمال كردفان أرسل من خلالها الجنرال إشارات ورسائل عديدة. ويأتي خطاب البرهان بعد يومين من الاعلان عن المواقيت النهائية المضروبة للعملية السياسية بتوقيع الاتفاق النهائي وتشكيل الحكومة المدنية، الامر الذي جعل الكثيرين يترقبون ظهور الجنرال بولاية شمال كردفان، والمكان في حد ذاته كان يحمل دلالات تنبئ بأن البرهان للجميع وليس حكراً على نهر النيل التي ظل كثير التردد عليها في فعاليات مجتمعية عديدة خلال الفترة الماضية. وطاف قائد عام الجيش خلال حديثه في احتفالية اقيمت بمنطقة ام سيالة على مجمل شواغل الساحة السياسية، ونحاول من خلال هذه المساحة تفكيك مقاصد واشارات ورسائل البرهان.
(1)
وخلال مخاطبته حشداً جماهيرياً في زيارته لشمال كردفان وتحديداً منطقة ام سيالة، اكد البرهان ان البلاد ماضية نحو التسوية والانتقال السياسي والمرضي للجميع، غير انه شدد على ضرورة أن تكون العملية السياسية شاملة وتضم جميع القوى السياسية، وأشار إلى أن الاستقرار سيتحقق قبل إجراء الانتخابات، داعياً السياسيين إلى تقبل الآخرين، واكد ان القوات المسلحة تظل صمام أمان السودان، متعهداً ببذل روحه فداءً لتماسك الجيش والحيلولة دون المساس باستقراره. وحمل قائد عام الجيش البرهان القوى السياسية مسؤولية الانقلابات بقوله: (السياسيون يتحملون مسؤولية الانقلابات وليس الجيش)، واضاف ان البلاد تمضي صوب تأسيس حكم مدني خالص، معلناً عن تشكيل الحكومة المدنية قريباً. وجدد رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان تأكيداته بخروج الجيش من المشهد السياسي، غير انه رهن ذلك بتوقف الساسة عن العمل والاستقطاب في وسط عناصره بقوله: (الجيش ما بيمرق من السياسة إلا السياسيين يبعدوا عنه)، كما تعهد البرهان بمخرجات الاتفاق الإطاري والعملية السياسية الجارية، ومن ضمنها العودة إلى الثكنات وتسليم السلطة للمدنيين، وقال انهم يقفون على مسافة واحدة من الجميع.
(2)
ويرى مراقبون ان خطاب قائد عام الجيش جاء في سياق جولات طبيعية للولايات، وذلك لبث الطمأنينة في قلوب المواطنين وتبصيرهم بالوضع السياسي وتداعيات الازمة، وذلك بتطوافه على ابرز مستجداته ومن ضمنها التزامه بالمضي قدماً بالعملية السياسية الجارية، ولكن بعض الاصوات اعتبرت ان خطاب البرهان لم يحمل جديداً يذكر وانما تكرار لتصريحاته الاخيرة.
وعلى ضوء حديث الجنرال وافرازه مساحة واسعة خلال خطابه بشأن الاتفاق الاطاري، تبرز تساؤلات مهمة عن امكانية نجاح الحل السياسي الجاري بالخرطوم برعاية دولية واقليمية خاصة في ظل تمترس كل الاطراف خلف مواقفها، وكشف موقع (الشرق) بحسب مصادره عن تحديد غدٍ (الخميس) موعداً لانطلاق ورشة الإصلاح الأمني والعسكري بمشاركة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والمدنيين، وان الورشة ستناقش رؤية جميع الأطراف بشأن عملية دمج جميع القوات في القوات المسلحة، بجانب مواقف الأطراف بشأن دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، مع الاشارة الى ان الجيش يقترح ثلاث سنوات فيما يقترح الاتفاق الإطاري عشر سنوات والدعم السريع يقترح أكثر من عشر سنوات. ويتفق مراقبون على ان مصير العملية السياسية مرهون باحراز تقدم او توافق في ورشة الترتيبات الامنية التي تعد الاخيرة ضمن مصفوفات الاتفاق الاطاري، حيث ان الكثيرين يشيرون الى ان الشيطان الحقيقي يكمن في تفاصيل هذه الورشة التي تم تأخيرها لاكثر من مرة، كما ان الترتيبات الامنية ظلت مثار تشاكس ونزاع بين المدنيين والعسكريين في الفترة الانتقالية في حقبة حكومتي حمدوك.
(3)
الخبير والمحلل السياسي د. عبد الرحمن خريس ذهب الى ان خطاب البرهان في مكوناته كان واضحاً خاصة في ما يلي بند الخدمات، كما انه لاول مرة يحرص على تقديم وعود في ما يخص الخدمات الاجتماعية بعد ان كانت احاديثه في اغلب الفعاليات مسرحاً لارسال رسائل سياسية صارخة. ويشير خريس في معرض تعليقه على ظهور الجنرال الجديد الى ان حضوره امس بمنطقة أم سيالة له دلالات عديدة، منها اهتمامه الشخصي والرسمي بقضاء حوائج الناس وتطمين المواطنين الى قرب انتهاء الازمة وتشكيل الحكومة المدنية، رغم ان المؤثرات التي يخرج بها البرهان في كل خطاباته فيها تلميح الى رغبته في الاستمرار في الحكم، وتحديداً عندما تقرأ الوعود التي اطلقها والتي لها آجال طويلة. ولا يتوقع محدثي ان يمضي الاتفاق الاطاري الى نهاياته بالشكل المرضي ما لم تحدث اختراقات في توسيع قاعدة المشاركة بشكل حقيقي وتخلي مجموعة المجلس المركزي عن رغبتها في السيطرة والانتقائية التي تنتهجها باختيار من يشاركونها في العملية السياسية. واشار خريس الى ان حديث البرهان في ما يخص العملية السياسية يأتي في سياق ارسال التطمينات، ولكنها ليست قاطعة بان الجنرال قد يوافق على اتمام الاطاري بشكله الحالي، حيث ان البرهان نفسه اعترف أمس خلال مخاطبته بأن الحل السياسي الجاري حال ذهب دون توسعة قد يجابه بمشكلات ويتعثر، كما ان اعضاء السيادي ظلوا أخيراً عبر خطاباتهم يتشددون في ضرورة توسيع قاعدة المشاركة كمطلب اساسي لضمان انجاز اي توافق بشكل مرضٍ لتطلعات السودانيين. واعتبر المحلل السياسي د. عبد الرحمن خريس ان كثرة الظهور للبرهان المقصود منها ارسال رسائل بشكل غير مباشر.
(4)
وكان البرهان قد دعا القوى السياسية الى استصحاب الجميع في العملية السياسية، وذلك لوضع حد للازمة المستمرة لعام ونصف العام بقوله: (ما دايرين انتقال فيه تنازع وتشظٍ وتشرذم)، مضيفاً أن الكرة حالياً في ملعب السياسيين، للعمل على استقرار البلاد من خلال الاستماع للآخرين، وتابع قائلاً: (والله هذا المسار إذا ما استصحب القوى الرئيسة وكل السودانيين سيتعثر قريباً ولن يستطيع أن يمضي، وهذه العملية السياسية إذا سارت مبتورة وعرجاء ستتعثر وتسقط ولن تمضي إلى الأمام).
ويذهب السفير العبيد احمد مروح الى ان حديث رئيس مجلس السيادة أمس بشمال كردفان لم يحمل الكثير من الجديد، لكنه أكد على رسائل كلية ظل يرددها لفترة، وأهمها انه اذا ما اريد للعملية السياسية ان تمضي قدماً يتعين توسيع نطاق الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية القادمة، وهذا يعني بلغة اخرى ضم جميع المؤمنين بالثورة والتغيير لهذه الحاضنة بغض النظر عن اشراكهم في مؤسسات الانتقال، وأردف محدثي قائلاً: (يبدو ان قائد عام الجيش قد يئس ممن يسمع حديثه في هذا الجانب او يعمل به، ولذلك اعطى الاشارة بأن العملية السياسية قد تتعثر حال لم يتم توسيع قاعدة المشاركة). ويعتقد السفير مروح ان قوى الاطاري وداعميهم لن يذهبوا الى نهاية الشوط لتشكيل مؤسسات الانتقال في ظل مقاطعة قوى سياسية اخرى بحجم الكتلة الديمقراطية وشركاء السلام، مشيراً الى ان تحديد المواقيت دون اكتمال الارادة السياسية لجميع الاطراف لا قيمه له، ويستدل مروح بأنهم حينما وقعوا على الاطاري في الخامس من ديسمبر حددوا شهراً لاكمال العملية السياسية، ولكن أجلها طال لاربعة اشهر. ويرى العبيد مروح ان ظهور الجنرال بمنطقة ام سيالة فيه اشارات الى انه لا يتحرك فقط في المحيط الاجتماعي الذي ينحدر منه (نهر النيل)، وانما يمتد ليشمل كل السودان.
(5)
وكان الناطق الرسمي باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف قد أعلن مساء الاحد الماضي عن توافق القوى المدنية والمكون العسكري على مطلع أبريل المقبل موعداً للتوقيع على الاتفاق النهائي الممهد لنقل السلطة الى المدنيين، حيث كشف عن انعقاد اجتماعين الأول ضم قائدي الجيش والدعم السريع والأطراف السياسية الموقعة على الإطاري والآلية الثلاثية والاتحاد الأوربي، فيما ضم الاجتماع الثاني قائد الدعم السريع وممثلي القوى المدنية وممثلي الآلية الثلاثية والمجموعة الرباعية. ومنذ ذلك الاعلان لم يخرج تعليق من الجيش، الامر الذي جعل رحلة البرهان لشمال كردفان محل اهتمام اعلامي وسياسي كبير، وذلك لمعرفة توجهات المكون العسكري حيال ما ذكر. ويرى خبراء سياسيون ان خطابات البرهان ظلت محل اهتمام الجميع، لجهة ان الجنرال يفضل ارسال رسائل واشارات من خلال احاديثه في المخاطبات الجماهيرية، وكذلك الفعاليات المتعلقة بالقوات المسلحة على غرار خطاباته في حطاب والمرخيات وغيرها، ويشير الخبراء الى ان حديث الرجل أمس بمنطقة ام سيالة كان بمثابة رسائل في بريد القوى المدنية بضرورة التخلي عن التمترس خلف المواقف والعمل على توسيع قاعدة المشاركة، وذلك لضمان نجاح العملية السياسية التي تمضي صوب نهاياتها.