“حاطب ليل” بروفسور عبد اللطيف البوني

ويكة أمريكية!
(1)
جاء في الأخبار أنّ مُستثمراً سُودانياً استورد عدة أطنان من تقاوي البامية من أمريكا ليزرعها في السودان، استنكر البعض هذا المَسلك، مُتسائلين كيف وصل بنا الهوان لدرجة استيراد تقاوي البامية، ونحن الذين نأكل الويكة من قُمنا.. والمعلوم أنّ الويكة لا تعدو إلا أن تكون بامية مُجفّفة، ونحن الذين برعنا في طبيخ البامية المَفروكة والبامية (المُقمعة) الحمد لله لم يقل واحدٌ من هؤلاء إنّ استيراد تقاوي البامية من أمريكا مُؤامرة للقضاء على البامية المَحليّة وبالتالي حرب على ملاح الويكة والتقلية والنّعيميّة كمان..! لهؤلاء الإخوة نقول على رسلكم، فالبامية البلدية سوف تنقرض، لا بل يجب أن تنقرض وتحل محلها البامية الأمريكية والهندية مثلما الأبقار المحلية سوف تنقرض وتحل محلها الأبقار المُهجّنة والمَاعز المَحلية سَوف تنقرض وتحل محلها الماعز السعانين، ومثلما انقرض القطن المحلي وحل محله القطن المُحوّر، وانقرضت المنقة المحلية وحلّت محلها منقة جنوب إفريقيا والبطيخ المحلي والعجور المحلي والجرجير المحلي، كلها سوف تنقرض إذا أراد الله لبلادنا خيراً ولن يبقى لنا الجمال لم تطلها يد التحوير والتطوير حسب علمي.. فاصح يا بريش!!
(2)
نفرٌ مقدامٌ من أبناء السودان المُشتغلين بالصادرات البستانية وصادر الخضروات، استطاع فتح الأسواق العالمية للمُنتجات السودانية من الخُضر والفواكه، وبحمد الله وصلت البامية والشمام والبطيخ والفاصوليا والبصل وغيرها الأسواق الأوروبية وقبلها الأسواق الخليجيّة، حدث هذا بعد تطوير حقيقي لهذه المُنتجات لأنّها بشكلها التقليدي لن تستطيع المُنافسة، لقد أدخلوا عليها التقانات الحديثة وهذه التقانات تبدأ بالتقاوي، فعلم التقاوي تطوّر تطوراً كبيراً بعد أن دخله علم التحوير والذي كان ومازال الهدف منه إكساب البذور مناعةً ذاتيةً من الأمراض التي تفتك بها حتى لا يلجأ الناس للمُبيدات التي ثبت ضررها على الحياة الإنسانية، ومن هنا جاءت الطفرة في الإنتاجية وأصبحت الزراعة صناعة، فإذا توقّفنا عند البامية، فالسودان الآن يُصدِّر بامية إلى السوق الأوروبية عبر إيطاليا وسعر الطن يتراوح ما بين أربعة وخمسة آلاف يورو، والبامية المُصدِّرة ليست باميتنا القديمة الكحيانة، إنّما بامية بمُواصفات عالمية، تقاويها قادمة من الهند وتُزرع في مشروع سوبا الزراعي، وفي هذا العام زُرعت بالجزيرة في قسم ود حبوبة مكتب دلقا، وزُرعت في نهر النيل، وبعد رفع الحظر الأمريكي جاءت التقاوي المُشار إليها أعلاه.. وتمتاز البامية الأمريكية بحجمها الكبير وقُدرتها على مُقاومة الظُروف الخارجيّة، فالتقاوي التي قدمت للسودان مُؤخّراً سوف تُزرع بعض الأفدنة منها كتقاوٍ للاكتفاء الذاتي..!

(3)
إنّ الطفرة الزراعيّة المنشودة من أهم مفرداتها التقاوي، وهناك إدارة للتقاوي في وزارة الزراعة، ولكن للأسف ليست في المُستوى المنشود هذا إذا لم نقل إنّها مُتخلِّفة، فالقطن المُحوّر الذي نعول عليه دخل البلاد مُتسللاً، ولولا مَجهودات المتعافي لخَرَجَ منها بقوة تجار المُبيدات، وحتى الآن ثقافة التقاوي لم تنتشر في البلاد بدليل الاستهزاء الذي قُوبلت به تقاوي البامية الأمريكية، والآن هناك تقاوي قطن غير مُجازة دخلت البلاد رغم أنف إدارة التقاوي بالوزارة.. إنّ التقاوي المُحسّنة هي المقدمة الضرورية لأيِّ ثورة في عالم الزراعة وكل مُنتجاتنا الزراعية والحيوانية مُحتاجة لتقاوي مُحسّنة، وهذا يبدأ بالاستيراد، ثُمّ توطّن بعد ذلك، والطريقة التقليدية التي نَتَحَصّل بها على التقاوي أصبحت لا محل لها من الإعراب..!
عمنا صديق ود اللصم عليه رحمة الله لديه مقولة فحواها: (البلد دي ما بتمشي لي قِدّام إلا يجي عيسى ويمسحها ويقوم فيها بشر جُداد)..!

اقرأ أيضًا
تعليقات
Loading...