حاطب ليل بروف البوني اعطوها الدولة

(1)
لا يختلف اثنانٌ في أهمية المصارف في التعاملات المالية، ولا يختلف اثنانٌ في التعاملات المالية، هي الشرايين التي تقوم عليها مُجمل الحركة الاقتصادية في عالم اليوم.. باختصار كدا لا تُوجد تنمية ولا ازدهار اقتصادي بدون نظام مصرفي مواكب ومتطور، فأيِّ ضمور أو تخلُّف في النظام المصرفي يعني تعثراً في التنمية، ونذهب أكثر من ذلك ونقول إنّ النظام المصرفي المُنضبط يُمكن أن يضبط كل التعاملات المالية، والعكس كذلك صحيحٌ النظام المصرفي المُهتري الفاسد سوف يفسد كل شئ.!
النظام المصرفي السوداني مثله مثل النظم المصرفيّة العالميّة فيه الدوغري وفيه المعوج، وأكثر من ذلك لا بُدّ من أن يكون مُتأثِّراً بالأوضاع العامة في البلاد، فإذا كَانَ كل شيء مُنضبطاً في البلاد سيكون نظامها المصرفي مُنضبطاً، وإذا كانت البلاد جبانة هايصة سيكون أول وأكبر الهايصين النظام المصرفي.. فمثلما تكونوا تكون مصارفكم..!
(2)
قصدنا من تلك الرمية أعلاه القول إنّ حرب القطط السمان التي تدور رحاها في بلادنا قد أظهرت المصارف كمسارح للفساد، ببساطة لأنّها الخشبة التي تتم فيها عملية المُناولة ولكنها ليست أُس الفَسَاد هذه واحدة.. ثُمّ قصة انعدام السُّيولة التي أوقفت حركة البلاد الاقتصادية هي الأُخرى مسرحها المصارف ولكنها ليست المسؤول الأوحد عنها، عليه الهجوم على المصارف وحدها يُعتبر سهاماً طائشاً، ثُمّ إنّ المصارف لا غنىً عنها، إذ لا تقوم تنمية بدونها، لذلك المُناداة بإصلاحها هو الحل، أمّا الحكم بالإعدام عليها هو إعدامٌ للمَخَارج من المأزق الاقتصادي، ناهيك عن التنمية.

فعملية إصلاح الدولة المَطروحة الآن لا بُدّ من أن تشمل الإصلاح المصرفي، لا بَل تبدأ بالإصلاح المَصرفي، فنظامنا المصرفي يحتاج إلى إصلاحٍ مثله مثل سائر مُؤسّسات الدولة الأُخرى التي نَخِرَ فيها سُوس الخَراب والفَساد..!
(3)
انعدام السُّيولة جاء بمثابة رصاصة الرحمة على النظام المصرفي، فَأوجاع النظام المصرفي قديمة ومُستفحلة والدليل على ذلك أنّ الكتلة النقدية السُّودانية خارج النظام المصرفي بنسبة تسعين في المئة قبل الأزمة الأخيرة، فالمعركة الآن للإبقاء على هذه العشرة (فالجفلن خلوهن).
فإصلاح النظام المصرفي لا بُدّ من أن يبدأ من الخلل الذي يقضي بأن التمويل منها لا مثيل له في العالم، إذ أنّ الفوائد لا ترجع لأصحاب الودائع أي المُموّلين، إنّما ترجع للإدارات، لهذه كثرت البنوك الأجنبية في بلادنا رغم فقرها، فالمُشاركة والمُرابحة المُسَمّاة إسلامية تَحتاج إلى إعادة نظر وهذا ما قال به علماء دين كبار، فلماذا لا يُواجه هذا الأمر والأضرار التي أحدثها بائنة؟ لماذا لا يُفكِّر الناس في نظام النافذة الثّانية؟ لماذا لا تأخذ الدولة نصيب المُودعين؟ فما يحرم على الفرد لا يحرم على الدولة كشخصيةٍ اعتباريةٍ، ودُونكم القروض الربوية؟ في الدنيا كلها أعضاء مجالس الإدارات مَمنُوعُون من التمويل من ذات البنوك إلا في السودان، فإلى مَتَى يَستمر هذا؟ البنك المركزي كثيراً ما يتخلّى عن دَوره الرِّقابي ويَخوض مع الخائضين، فقد أصبح كَبير السَّحرة ورب البيت الراقص، اللهم إلا إذا كانت لمُحمّد خير الزبير سياسة جديدة.
(4)
إنّ الإعوجاجات الهيكليّة المُشار إليها في (3) هي السُّوس الذي يَنخر في عَظم النظام المَصرفي، فرغم أنّ المُودع فيها عشرة في المائة من الكتلة النقدية ورغم كثرتها، فمصارف السُّودان غنية، لأنّ نصيب المُودعين تَمّ التنازل عنه فأصبح المال شراكة بين البنك والشخص الذي تمّ تمويله.. ثانياً: نصيب المُودع المُتنازل عنه جعل الإدارة غنية.. ثالثاً: مجلس الإدارة بالتواطؤ مع الإدارة التنفيذية يلعب بالفلوس لعب وهذا ما اظهر الجميع في فيلم القطط السمان.. فإذاً مكان الخلل واضحٌ ولكن مَن يجرؤ على الكلام؟!.

 

اقرأ أيضًا
تعليقات
Loading...