حاطب ليل بروف البوني الجزيرة بعيداً عن: (عطش الزرع والملاريا)

(1)
تَصَدّرت الفنانة هدى عربي وَاجهة الأخبار الفنيّة التي لها تماسٌ مع السِّياسة عندما أعلنت في الأسبوع الماضي أنّها قد أرجعت العَربُون الذي تَسلّمته من ولاية الجزيرة مُقابل الاشتراك بالغناء في مهرجان السياحة والتسوق في تلك الولاية، وذلك لأنّ المهرجان تمّ إلغاؤه بقَـرارٍ من رئاسة الجمهورية.. الجَديد في مَوقف هدى عربي هو أنّ مثل هذه التعاملات كانت تتم بعيداً عن أعين الإعلام، فأُجور الفنانين وكيفية تحديدها وكيفية استلامها، وكل هذه التفاصيل كنا نظن أنّها أقرب لـ(عطية مزين) وعطية المُزين عَادةً تَتم (غَمتة)! فإذا بنا نعلم أنّ بها عرابين، وهذا يعني أنّ بها إيصالات وربما شروط جزائية، فالفن أصبح احترافاً، ولكن الأهم أنّ تَصريح هدى الذي حَصَدت به الكثير من الإعجاب والتّقدير يَشي بأنّ المبلغ ليس بالهيِّن وهذا هو (الزيت ذاتو)!
(2)
هذا التماسٌ بين الفن والسِّياسة الصادر من هدى عربي، يُعيد للأذهان تلك الصورة التي وقف فيها حُكّام مدينة المناقل صفاً وهم يستقبلون الفنانة الكبيرة ندى القلعة، تلك الصورة التي طَارَت بها الأسافير مثلما طَارَت بتصريح هدى عربي، وكل هذا يَعني أنّ أهل ولاية الجزيرة حُكّاماً ومَحكومين يُقدِّرون بل يموتون في فن الغناء وفي الفنانات.. والعبد لله شخصياً من المُحبين لغناء الفنانتين ندى وهدى فكلاهما يتمتّع بصوتٍ قوي وشجي ملئ بالتطريب يبعث (السلوى وتنسي الموت مهتوك القناع) كما قال الشاعر إبراهيم ناجي في أغنية (الوداع) التي غَنّاها زيدان إبراهيم، كما أنّ لهما طريقة أداء مُتميِّزة ومُتفرِّدة تُحلِّق بالسامع (إلى حيث لا أُمنيات تخيب ولا كائنات تمر) كما قال الشاعر الحسين الحسن في أغنية (حبيبة عُمري) التي غَنّـاها الكَـابلي.
وأجد نفسي بَاصماً بالعَشَرَة على اللقب المَمنوح لندى بأنّها مَلكة الغِنَاء الآن، واللقب الممنوح لهدى بأنّها سُلطانة الغِنَاء الآن.

(3)
حُب أهل الجزيرة للغناء الحديث مُتَجَذِّرٌ، وكَيف لا وهي التي أنجبت سَرور والكاشف وأبو اللمين وأبو عركي وآخرين، ولكن هذا الرباعي هو الذي شكّل مسيرة الغناء السُّوداني وهذه قصةٌ أُخرى، (معقولة بس أنسى بادي مُحمّد الطيب؟).
وفي الجزيرة ألّف الطاهر إبراهيم أجمل أغنياته عندما كان مُفتِّشاً في المشروع بعد رفده من الجيش، وحكى لي الفنان إبراهيم عوض أنّ أول وأجمل حفلاته الجماهيرية كانت في الجزيرة، أما الفنان مُحمّد وردي فأمره مُختلفٌ، فقد تلقّفته الجزيرة من العاصمة وكان كثير التّردُّد على مُدنها وقُراها لإحياء الحفلات الجماهيرية، ولكن بمُجَرّد وُصُول الإرسال التلفزيوني في مطلع السبعينات للجزيرة قال وردي (بعد كده ما في داعي للحفلات الجماهيرية في الجزيرة فالنشوف غيرها)!
وفي تقديري أنّ وردي بهذا القول (جَابَ الزيت)، فمع التلفزيون تأتيك ندى القلعة وهدى عربي في بيتك ووسـط أُسـرتك!
(4)
جَاء في الأخبار أنّ مُهرجان الجزيرة المُعلن قد تَمّ استثناؤه وسَيكون في شكل مَعارض تُراثية وأُسبوع زراعي، تعرض فيه الشركات الزراعية مُنجزاتها وهذا أمرٌ لا غُبَارَ عليه لأنّه تَعليمي وتَوثيقي وتَرفيهي، أمّا الغناء فيكفي منه الذي على التلفاز وعُقبال بقية العرابين..!

اقرأ أيضًا
تعليقات
Loading...