“حاطب ليل” بروف البوني : حاشية على متن الامس

(1)
يبدو أنّ هناك أمراً فيما ذكرناه بالأمس عن المصارف يحتاج الى استجلاءٍ، وهو قولنا إنّ البنوك تُموِّل المُستثمرين بمُقابلٍ، هذا المُقابل في البنوك العادية (نرفض هنا كلمة تقليدية لأسبابٍ علميةٍ)، هذا المُقابل يُسمى أرباحاً (عديل كدا)، وفي البنوك الإسلامية يُسمى مُرابحة ومُشاركة والذي منه.. إذاً يا جماعة الخير في الحالتين هناك أرباحٌ تَأتي للبنوك من الذين مَوّلتهم.
طُيِّب السؤال من أين أتت البنوك بالأموال التي اقرضتها للمُستفيدين منها؟ أتت بها من المُودعين أي من الذين يضعون أموالهم في البنوك أفراداً أو مُؤسّسات أو حتى حكومة.. فالسؤال هنا ما الذي يعود على هؤلاء المُودعين للأموال التي أعطتها البنوك للمُستفيدين وبمُقابلٍ؟ في النظام البنكي العادي تعود عليهم نسبة من الأرباح تختلف من بنكٍ لآخر.. أمّا في السُّودان فلا يَعود عليهم أيِّ شيء، لأنّ ذلك العائد وبمُوجب القَانون السّائد الآن يُعتبر ربا وهو حرام شرعاً.
إذاً يا جماعة الخير أن البنوك العاملة في السودان الفائدة فيها بين جهتين فقط هما البنك والمموّل – بفتح الواو – عكس البنوك العادية، فالريع يُقسّم على ثلاثة هي: المُودع والبنك والمُموّل، فهذا يعني أنّ البنوك في السودان لها وفورات كبيرة لغياب الشريك الثالث عن الريع.
ففي تقديرنا أنّ نصيب المُودع المُتنازل عنه هو سَبب كل البلاوي في البنوك لأنّه مالٌ سائبٌ (مَجّاني) تبرطع فيه إدارة البنك بشقيْها التّنفيذي والإداري أي مجلس الإدارة، لذلك يكون من الطبيعي أن يحدث تَواطؤٌ بين الجهتين لغياب الشريك الثالث، لا بل وجمعيته العُمُومية!!

(2)
إنّما الأعمال بالنيّات، فالمُودعون المُتنازلون عن حُقُوقهم في أرباح البنوك فعلوا ذلك تأسيساً على أنّه حرام، فحرمة الربا لا خلاف عليها في الإسلام فإن شاء الله هم مُثابون على تركهم للربا.. ولكن هناك زواية أُخرى للنظر للموضوع وهي أنّ هذا المال المَتروك أصبح بمثابة مَالٍ سَائبٍ، والمال السّائب كما في المثل الدارجي السوداني (بعلِّم السرقة)!! ونحن اليوم لا نحتاج للمثل السوداني لأنّه بين يدينا القطط السمان والكلاب السمان، خَاصّةً إذا علمنا أنّ بنوك السودان هي الوحيدة في الدنيا التي تَسمح لأعضاء مجالس الإدارات فيها أن تُموّل من البنوك، عليه لم نتجنَ على البنوك إذا قلنا إنّها أصبحت روافع للفساد ومع ذلك لن نُقلِّل من أهمية البنوك فهي لا غنىً عنها بأيِّ حَالٍ من الأحوال، فكل المُعاملات المَالية في الدنيا تمر عبرها.
ونذهب إلى أكثر من ذلك ونقول إنّ البنوك كمُؤسّسات اعتبارية لا ذنب لها فيما حَدَثَ، إنّما الذنب على الذين وضعوا التشريعات البنكية، ونزيدكم فوق الشعر بيتاً ونقول إنّ كثيراً مِن وَاضعي التّشريعات قَد فَعلوا ذلك بحُسن نِيّة وهي التّقرُّب إلى الله وما كانوا يدرون أنّها يُمكن أن تؤدي إلى هذا الخَراب.. عليه يبقى السؤال كيف الدبارة وقد حَدَثَ ما حَدَثَ؟!
(3)
إعادة النظر في النظام البنكي المُسمّى إسلامياً أصبحت واجبة، وهذا الكلام لم يقل به أصحاب المعرفة المُتواضعة بعلوم الشرع من أمثالنا، إنّما قال به عُلماء دين كبار وكبار جداً، فبعضهم أسماها (الأسلو ربوية)، وبعضهم طَالَبَ بإعطاء المُودعين نصيبهم وأسماه الفاقد التعويضي.
بالأمس طَرحت هنا فكرة أن يعطى نصيب أصحاب الحسابات الجارية من الأربَاح للدولة، فدولتنا اليوم حَلّلت القُروض الربوية تَأسيساً على فقه الضرورة، فبذات الفقه فلتأخذ فوائد المُودعين المُتأففين لأنّهم رَعاياها ولحاجتها لتلك الأموال، ثُمّ والأهم لتقضي على المال السّائب الذي يسمن القطط والكلاب.. إنّ فضل محمد خير وفادي الفقيه جزءان من تجليات الأزمة فقط..!

 

 

 

 

اقرأ أيضًا
تعليقات
Loading...