حاطب ليل

خضة يناير (2)

خضة يناير (2)

عبداللطيف البونيPOSTED ON الإثنين، 26 شباط/فبراير 2018 16:49

(1)
بالامس وصفنا ما حدث من رد فعل على السياسات الاقتصادية القاسية التي طبقتها الحكومة في الميزانية الجديدة بانها كانت خضة، حيث ان المظاهرات على محدوديتها قد ادت دورها، اذ نبهت الحكومة الى ان وسائل المقاومة الشعبية القديمة مازالت موجودة،

وقلنا انها كانت بمثابة فرض كفاية قام بها البعض، وقلنا ان المقاومة الاسفيرية عبر وسائل الاعلام الاجتماعي الحديثة كانت هي الاقوى رغم انه لم يترتب عليها فعل سياسي كعصيان مدني او غيره، الا انها شكلت رأياً عاماً كان لا بد ان تنتبه له الحكومة، وقلنا ان الضربة القوية حدثت في الجبهة الاقتصادية، وذلك عندما كاد الجنيه السوداني ان ينهار، اذ تجاوز الدولار حاجز الأربعين جنيهاً، وتزامن هذا مع الطقس السياسي المكفهر، فكاد هذا ان يعصف بالحياة اليومية في البلاد ويحدث الشلل الذي كان يمكن ان يؤدي اليه العصيان المدني الشامل، ولكن الحكومة وهي مخضوضة قامت بتدابير امنية وادارية اوقفت تدهور الجنيه السوداني، وبما ان هذه المعالجة مازالت متواصلة يصعب التكهن بمآلاتها، فالكل يعترف بأنها اجراء مؤقت وغير اقتصادي الغرض منه ايقاف النزيف، لتأتي المعالجة بعد ذلك.
(2)
يبقى السؤال ما ومن الذي صوب تلك السهام تجاه الجنيه السوداني واصاب الحكومة بالخضة الشديدة؟ وهل للمناخ السياسي أي دور في ذلك؟ ولماذا زاد الطلب على الدولار بتلك الصورة المسعورة؟ هل هناك تدخل اجنبي تسبب في ندرة الدولار او قام بتزوير العملة السودانية كما زعم البعض؟ هل كل هذه الاسباب مجتمعة تضافرت على ذلك الصنيع؟ لا اظن ان احداً يمكن ان يعطينا الاجابة الشافية، ولكن اذا نظرنا للمعالجة التي تمت من تحجيم للسيولة ووقف للاستيراد واخذنا نجاعتها التي اشرنا اليها اعلاه، يمكننا القول ان أسباب التدهور المريع كانت اقتصادية في المقام الاول، ولكن لا يمكن ان نغفل العامل السياسي المتمثل في الرفض الشعبي للسياسات الجديدة، فقد اسهم في زيادة الطلب على الدولار، فأي شخص لديه مدخرات بالجنيه السوداني اتجه بها لسوق العملة، مثل ذلك الذي سحب (90) مليار جنيه سوداني في يوم واحد . والذي يهمنا في هذا التحليل ان نتيجة الخضة كانت سياسية من الدرجة الاولى، حيث تراءى للجميع شبح الانهيار الكامل وتوقف الحياة، فالناس كانوا يظنون ان هذا لن يحدث الا بالعصيان المدني او الاحتجاجات القوية التي يشوبها العنف.
(3)
كما ذكرنا نجحت التدابير الامنية الادارية التي اتخذتها الحكومة في وقف التدهور في قيمة الجنيه السوداني، وبما انها تدابير ليست اقتصادية لا بد ان تكون لها آثار جانبية قابلة للتفاقم، فالاستيراد لا يمكن ان يتوقف للابد، ثم ثانياً حاجة البلاد لحصائل الجمارك والضرائب حرجة جداً، وعليه اذا كانت لدى الحكومة ما اصطلح على تسميتها (المخدة) أي ودائع اجنبية او حتى محلية تغطي بها حاجة البلاد من السلع الضرورية كالقمح والجازولين والادوية، فإن الأمور سوف تمضي بسلام، اما اذا لم تكن لديها واضطرت للجوء للسوق الموازي فإن الجنيه السوداني سوف يتعرض لضربة اقوى من التي كانت في يناير، وسوف يتحول شبح الانهيار الى واقع، وقد يجد ذلك الشبح دعماً سياسياً هذه المرة، مما يساعد على تحوله من الحالة الغازية الى حالة السيولة، ومن ثم الى حالة الصلابة.
(4)
وفي تقديري أن الذي وصفناه بالأمس بالوافد الجديد الذي عنينا به جبهة الجنيه السوداني والخضة التي احدثها، يرجع الى ان القطاع الاقتصادي غير المنظم (انفورمالسكتر) اصبح هو المسيطر على الحياة في السودان، وتراجع القطاع المنظم الى اقل من ثلاثين في المائة، والمعروف أن القطاع غير المنظم يتوقف وجوده على السوق فقط ولا شيء غير السوق.. و(الغالي تمر السوق أكان وزعو ما بحوق).

(1)
بالامس وصفنا ما حدث من رد فعل على السياسات الاقتصادية القاسية التي طبقتها الحكومة في الميزانية الجديدة بانها كانت خضة، حيث ان المظاهرات على محدوديتها قد ادت دورها، اذ نبهت الحكومة الى ان وسائل المقاومة الشعبية القديمة مازالت موجودة،

وقلنا انها كانت بمثابة فرض كفاية قام بها البعض، وقلنا ان المقاومة الاسفيرية عبر وسائل الاعلام الاجتماعي الحديثة كانت هي الاقوى رغم انه لم يترتب عليها فعل سياسي كعصيان مدني او غيره، الا انها شكلت رأياً عاماً كان لا بد ان تنتبه له الحكومة، وقلنا ان الضربة القوية حدثت في الجبهة الاقتصادية، وذلك عندما كاد الجنيه السوداني ان ينهار، اذ تجاوز الدولار حاجز الأربعين جنيهاً، وتزامن هذا مع الطقس السياسي المكفهر، فكاد هذا ان يعصف بالحياة اليومية في البلاد ويحدث الشلل الذي كان يمكن ان يؤدي اليه العصيان المدني الشامل، ولكن الحكومة وهي مخضوضة قامت بتدابير امنية وادارية اوقفت تدهور الجنيه السوداني، وبما ان هذه المعالجة مازالت متواصلة يصعب التكهن بمآلاتها، فالكل يعترف بأنها اجراء مؤقت وغير اقتصادي الغرض منه ايقاف النزيف، لتأتي المعالجة بعد ذلك.
(2)
يبقى السؤال ما ومن الذي صوب تلك السهام تجاه الجنيه السوداني واصاب الحكومة بالخضة الشديدة؟ وهل للمناخ السياسي أي دور في ذلك؟ ولماذا زاد الطلب على الدولار بتلك الصورة المسعورة؟ هل هناك تدخل اجنبي تسبب في ندرة الدولار او قام بتزوير العملة السودانية كما زعم البعض؟ هل كل هذه الاسباب مجتمعة تضافرت على ذلك الصنيع؟ لا اظن ان احداً يمكن ان يعطينا الاجابة الشافية، ولكن اذا نظرنا للمعالجة التي تمت من تحجيم للسيولة ووقف للاستيراد واخذنا نجاعتها التي اشرنا اليها اعلاه، يمكننا القول ان أسباب التدهور المريع كانت اقتصادية في المقام الاول، ولكن لا يمكن ان نغفل العامل السياسي المتمثل في الرفض الشعبي للسياسات الجديدة، فقد اسهم في زيادة الطلب على الدولار، فأي شخص لديه مدخرات بالجنيه السوداني اتجه بها لسوق العملة، مثل ذلك الذي سحب (90) مليار جنيه سوداني في يوم واحد . والذي يهمنا في هذا التحليل ان نتيجة الخضة كانت سياسية من الدرجة الاولى، حيث تراءى للجميع شبح الانهيار الكامل وتوقف الحياة، فالناس كانوا يظنون ان هذا لن يحدث الا بالعصيان المدني او الاحتجاجات القوية التي يشوبها العنف.
(3)
كما ذكرنا نجحت التدابير الامنية الادارية التي اتخذتها الحكومة في وقف التدهور في قيمة الجنيه السوداني، وبما انها تدابير ليست اقتصادية لا بد ان تكون لها آثار جانبية قابلة للتفاقم، فالاستيراد لا يمكن ان يتوقف للابد، ثم ثانياً حاجة البلاد لحصائل الجمارك والضرائب حرجة جداً، وعليه اذا كانت لدى الحكومة ما اصطلح على تسميتها (المخدة) أي ودائع اجنبية او حتى محلية تغطي بها حاجة البلاد من السلع الضرورية كالقمح والجازولين والادوية، فإن الأمور سوف تمضي بسلام، اما اذا لم تكن لديها واضطرت للجوء للسوق الموازي فإن الجنيه السوداني سوف يتعرض لضربة اقوى من التي كانت في يناير، وسوف يتحول شبح الانهيار الى واقع، وقد يجد ذلك الشبح دعماً سياسياً هذه المرة، مما يساعد على تحوله من الحالة الغازية الى حالة السيولة، ومن ثم الى حالة الصلابة.
(4)
وفي تقديري أن الذي وصفناه بالأمس بالوافد الجديد الذي عنينا به جبهة الجنيه السوداني والخضة التي احدثها، يرجع الى ان القطاع الاقتصادي غير المنظم (انفورمالسكتر) اصبح هو المسيطر على الحياة في السودان، وتراجع القطاع المنظم الى اقل من ثلاثين في المائة، والمعروف أن القطاع غير المنظم يتوقف وجوده على السوق فقط ولا شيء غير السوق.. و(الغالي تمر السوق أكان وزعو ما بحوق).

اقرأ أيضًا
تعليقات
Loading...