حاطب ليل

القصة ما قصة قمح!

(1 )
إذا نحينا نظرية المؤامرة جانباً، وتحدثنا عن قصة القمح في السودان، يمكننا أن نقول إن السياسات المتخذة تجاه توطين القمح في بلادنا محتاجة الى مراجعة شاملة، ويأتي على رأس ذلك عدم ثبات هذه السياسات،

إذ لدينا بعض العلماء وبعض متخذي القرار يرون أن القمح يحتاج الى مناخ معتدل وأن مناخ السودان المداري ليس مواتياً لزراعة القمح، وأن الذي زرعناه من قمح عالٍ التكلفة من حيث المخصبات والمبيدات، فالأوفق أن نزرع ما يناسب مناخنا ونزيد إنتاجه وإن كان لابد من القمح لزوم الرغيف والقراصة والشعيرية، فالنستورده وفي نفس الوقت لدينا علماء ومتخذي قرار يرون أنه طالما أن القمح أصبح سيد المائدة (بفعل فاعل أو مصادفة)، فلابد من زراعته وأن العلم قد تطور إذ تم التغلب على المناخ باستنباط عينات مدارية، وعلماء القمح في السودان أصبح لهم باع طويل في استنباط وتربية القمح المداري والبيان بالعمل والحساب ولد. فإن كان مربحاً أهلاً وسهلاً، وإن كان خاسراً ففضوها سيرة.
(2 )

في الموسم الماضي تغلب رأي الذين يرون ضرورة تشجيع زراعة القمح، فزرعت الجزيرة أربعمائة ألف فدان بتمويل من الدولة ممثلة في البنك الزراعي وإدارة المشروع وبعض المزارعين موَّل من مدخراته ثم زرعت أكثر من مائتي ألف فدان في الشمالية ونهر والنيل والنيل الأبيض، بل في بعض مشاريع العاصمة الزراعية فكانت الإنتاجية من أبدع ما يكون في الجزيرة كان المتوسط فوق العشرة جوالات، في النيل الأبيض دخلت شركة (تافي) في شراكة مع المزارعين فاستخدمت آخر التقنيات الزراعية العالمية مع الإبقاء على الري الانسيابي، فكان متوسط الإنتاجية فوق الخمس وعشرين جوالاً. في الشمالية وفي قلب الصحراء شركة (الراجحي) وصل إنتاجها الثلاثين جوالاً في المتوسط بالري المحوري من المياه الجوفية. في شمال كردفان شركة (نادك) السعودية قامت بزراعة تجريبية وصل معدل الإنتاج الثلاثين جوالاً . لقد كاد الإنتاج المحلي أن يكفي حاجة البلاد لمدة نصف عام بالتمام والكمال. إن عام 2017 كان عام القمح في السودان. 
(3 ) 
ولكن كالعادة ما من سنة كانت مقمحة- بضم الميم – في السودان، إلا وأعقبتها سنة مقمحة بكسر الميم أي من سنة يكون فيها الإنتاج مرتفعاً في القمح إلا وأعقبتها سنة يكون الإنتاج منخفضاً (ما عايزين نقول في مؤامرة، ولكن صاحب العقل يميز ) فالمهم كان الشيء الطبيعي أن تعمل الدولة على أن تكون إنتاجية 2018 أعلى من إنتاجية 2017 حتى نقترب من الاكتفاء الذاتي، فحدث العكس (طبعاً المتابعين لم يتفاجأوا) حيث تأخر الإعداد لموسم 2018 (بفعل فاعل) ولكن الأخطر كان ارتفاع أسعار المدخلات لقريب الضعف، (الدولة ولاخصاها) والأكثر خطورة هو قلة سعر التركيز 450 جنيهاً للجوال (طبعاً القرار دا اتخذته حبوبتي عليها الرحمة) فتراجعت المساحة المزروعة قمحاً في الجزيرة الى النصف (الجزيرة هي العليها الرك) والنتيجة سوف نراها في الأيام القليلة القادمة ( للحي البعيش )
(4 )
في نهاية الأسبوع المنصرم وبمناسبة زيارة السيد النائب الأول للجزيرة، أعلن سعر تركيز جديد للقمح وهو 750 للجوال مع ترك للمزارع حرية التصرف بالبيع للبنك بسعر التركيز أو في سوق الله أكبر أيهما أعلى ثم يسدد للبنك ما عليه وقد وقع هذا القرار برداً وسلاماً على الذين زرعوا قمحاً هذا الموسم، ولكن لنا أن نتخيل الحال لو كان هذا القرار قد اتخذ في بداية الموسم؟ كانت المساحات قد تضاعفت. لكن ياهو دا السودان! فقف تأمل يا عزيزي القارئ في القرارات المذكورة أعلاه التي أصابت القمح في مقتل (وبرضو تقول لي زيدان مشلخ ؟!..)

اقرأ أيضًا
تعليقات
Loading...