حاطب ليل
من الذي طفا النور؟
(1 )
في حلقات ماضية اسمينا الحراك السياسي الذي مرت به بلادنا في مطلع يناير الماضي بالخضة وقلنا انه لم يصل مرحلة الانتفاضة ولكن الذي يجمعه بها انها شكل من اشكال الاحتجاج والرفض السياسي .
الذي اصاب الحكومة بالخضة وان شئت قل الزنقة هو ما حدث للجنيه السوداني من تدهور سريع وكبير في مقابل الدولار، فيمكن ان نسمي ما جرى بزنقة الدولار لانه الزانق والجنيه السوداني هو المزنوق (زنقة كلب في طاحونة) فالمشكلة إن ظهرت للعيان كمشكلة نقدية الا انها في كنهها مشكلة مالية اقتصادية فالاوضاع الاقتصادية المتردية هي التي زنقت الجنيه وخضت الحكومة وجعلت البلاد كلها في كف عفريت.
(2 )
الإطار الذي جرت فيه الاحداث المشار اليها هو التدافع بين الذين يسعون لتغيير الوضع السياسي والذين يسعون لتثبيته اي بين المعارضة والحكومة وكل طرف يسعى لكسب الشارع الى جانبه وكل طرف الان يقوم بجرد حساب للارباح والخسائر التي خرج بها من تلك الاحداث رغم ان رمالها ما زالت متحركة . يبدو لي ان الحكومة قد ادركت الان انه يمكنها منع المظاهرات بالتدابير الامنية ويمكنها منع العصيان المدني بالسيطرة على بيئة العمل من ادارات ونقابات ولكنها لابد من ان تكون قد ادركت الان ان الاعاصير يمكن ان تأتيها من جهة الدولار فالخفة التي حدثت للجنيه السوداني وجعلته يتطاير كما الريش كانت كفيلة ان تذهب بريح الحكومة وربما البلاد نفسها .إذاً يا جماعة الخير الشغلانة اقتصادية بحتة والحالة الاقتصادية لاتقبل اي تأويل فالاقتصاد امر يحسه الناس فإما ان يكون بخير اما ان يكون مأزوماً يضع الناس في خانة المعاناة وبهذا تكون الحكومة الان قد عرفت (الطفا النور منو).
(3 )
أي حكومة في الدنيا تسعى للبقاء اطول فترة ممكنة بالتي احسن او التي هي اخشن فلندع الديمقراطية والليبرالية والتداول السلمي للسلطة جانباً فحكومتنا في السودان وفي هذه اللحظة ادركت الان ان بقاءها اصبح مرهوناً بعافية الجنيه السوداني اي قضيتها مع شعبها ووطنها اقتصادية في المقام الاول وبالتالي لابد من ان تسعى الى الخروج من عنق الزجاجة الاقتصادي هذا وهنا لابد من ان تسأل نفسها ما الذي ادخلها في هذا العنق ؟ هل هو سوء السياسات (عدم معرفة)؟ ام الحصار الخارجي؟ ام الفساد ؟ ربما كل هذه الاسباب مجتمعة . ولكن ضربة البداية لابد تكون بمحاربة الفساد لانه اي اصلاح اقتصادي لايكون ناجعاً في وجود اي فساد . عليها ان تتبع جذور الفساد المعشش الان . فساد الافراد امر يراه كل الناس وهذا مكانه سوح العدالة الناجزة ثم تأتي للفساد المؤسسي من شركات حكومية وتجنيب وبعزقة الاموال العامة بالسفريات والمهرجانات والاحتفالات والاحتشادات . على الدولة ان تخرج من السوق باعجل ما تيسر وفيما يتعلق بالتجنيب فالمبدأ واضح وهو ان وزارة المالية هي صاحبة الولاية على اموال الدولة.
(4 )
محاربة الفساد تحتاج الى حاضنة ومكونات هذه الحاضنة تبدأ بالشفافية والوضوح وهذه من لوازمها حرية التعبير لانها تفضح خطل الممارسات ولانها تحرك الجهات الرقابية من اعلام وبرلمان وغيره لا يمكن محاربة الفساد في اوضاع كلها (ام غُمتي) .كذلك لابد من العدالة الناجزة اذ لايمكن محاربة الفساد بحبل المهلة وجرجرة الاجراءات القانونية ثالثاً لابد من المساواة وعدم الانتقائية فالفاسدون كلهم ملة واحدة . يا جماعة الخير العدالة ليست شعارات ترفع انما اعمال تطبق يراها الناس باعينهم المجردة . اذا لم يُحارب الفساد فليس هناك حصار يُرفع ولا سياسات إصلاحية يُمكن أن تُطبق .