ضياء الدين بلال يكتب

ضياء الدين بلال

وزير مالية امرأة!

-1-

ضحكتُ وأعجبتني الفكرة، حينما قرأتُ مقالاً طريفاً ومُمتعاً، خطَّه المهندس أُبي عز الدين، السكرتير الصحفي السابق لرئيس الجمهورية، حمل عنوان: (تمكين المرأة من صنع السياسات الاقتصادية).
البعضُ لا يزال يعتقل أُبي عز الدين في (فنيلة ميسّي)، وكثيرون يتملَّكهم الغيظ والغضب من كلمة (تمكين)، وما تختزل من مرارات وتُلقي من ظلال ثقيلة.

لأُبي عز الدين اجتهادات طريفة وذكية، جديرة بالتأمل، ومثيرة للجدل، مثل مذكرة إقالة الطاقم الاقتصادي الذي يُخطِّطُ للحكومة، ويرعى ميزانيتها ويحمي تنفيذها.
-2-
أختلفُ مع أُبي في فكرة تغيير الكادر البشري، لا لأنه يمثلُ الخيار الأفضل المُتاح؛ ولكن لأن حاجتنا لتغيير الأفكار وطرائق التفكير أكبر من تغيير الوجوه والأسماء.
أما فكرةُ تولِّي امرأةٍ أمرَ اقتصادنا بأفضلية الرأفة والرحمة والبحث عن التيسير وانتفاء الغلظة والشدة؛ فهي فكرة جديرة بالنقاش.
فكرة أُبي قائمة على تمكين النساء من المطبخ الاقتصادي للدولة، فبطبيعتهن يضعن اعتباراً أكبر للأبعاد الاجتماعية والإنسانية للقرارات والسياسات، حين يُفاضلن بين بدائل السياسات الاقتصادية، ويخترن ما هو أيسر على المواطنين وأرأفُ بحالهم.
ويستشهد أُبي، بأن هناك عشرات الوزيرات من النساء، في كُلِّ أرجاء العالم، تم اختيارهنَّ وزيرات مالية أو وزيرات تخطيط اقتصادي، ووصلت مثل المُحامية المرموقة السيدة كريستين لاقارد، لمنصب المدير العام لصندوق النقد الدولي منذ 2011 وحتى يومنا.
-3-
ما يُعجب في مقال أُبي، التقاطُ فكرة وجود قسوة زائدة في الإجراءات الاقتصادية، التي لا تضع اعتباراً كبيراً لوقع ووطأة تلك القرارات على الشرائح الاجتماعية رقيقة الحال، محدودة الدخل، مقطوعة السند، معدومة النصير.
وربما كان مصدرُ فكرة المقال المذكور، تلك الجملة الكاوية التي أطلقها وزير المالية الفريق محمد عثمان الركابي، دون تقدير لما ستُخلِّفُه من أوجاع وآلام على المواطنين، وهو يُصلِيهم بكلمات حارقة.
الركابي قال: (كلما تضيق سنضطر إلى اتخاذ إجراءات قاسية).

قسوةُ الجملة، هي التي تجعل الجميع يُفكِّرون في أن يُولَّى أمرُ اقتصادهم ومعاشهم، لمن يشعرون بوجعهم وآلامهم، ويختارون ما هو أيسر من الخيارات والبدائل.
يفعلون ذلك نزولاً لحديثه ودعائه، صلى الله عليه وسلم: (اللهم مَن ولي مِن أمر أُمَّتي شيئاً، فشقَّ عليهم، فاشقق عليه، ومَن ولي مِن أمر أمتي شيئاً، فرفق بهم، فارفق به).
-4-

ليت الركابي أخذ بالنصيحة المأثورة: (فليسعد النطق إن لم يسعد الحال)، قبل أن يُطلِقَ جُملته تلك.
لا أحد كان يظنُّ أن الميزانية الجديدة، ستأتي خالية من الزيادات والأعباء. الكلُّ يعلم أن أغلب الدول الآن تُعاني مشاق اقتصادية كُبرى؛ حتى الدول البترولية، أصبحت تُعاني وتُكابد للسيطرة على الأوضاع.
لكن لا أحد يتصوَّرَ أن تكون الزياداتُ والأعباءُ الواردة في ميزانية الركابي بهذا الحجم، الذي ينوء بحمله أولو البسطة المالية، وبتلك القسوة غير المُحتمَلة: أن تُصبح (الرغيفة بجنيه)، وطبق الفول بـ25 جنيهاً، وباكيت البامبرز بـ250 جنيهاً، والدِّرب من 7 جنيهات إلى 15 جنيهاً، والأدوية المُنقذة للحياة زادت أكثر من 60%، وشركات الأدوية تُطالب بإقرار زيادة في الأدوية 300%.
-أخيراً-
رغم صرامة المُعادلات وجدِّيَّة الأرقام، فإن إدارة الاقتصاد تحتاج لمن يشعر ويرق قلبه – امرأة كانت أو رجلاً – لحال المواطنين، وهم يُواجهون معركة الحفاظ على كيان أُسرهم من توسنامي الغلاء؛ فلا يهربُ زوجٌ من مسؤولياته ، ولا تُطلَّقُ امرأة لضيق ذات اليد، ولا يهرب طفلٌ من المدرسة للبحث عن قوت أسرته في الأسواق.
نرغب في وجود وزير مالية كلما ضاق الأمر اتسعت لديه الرؤية وتفتَّق الذهن، للخروج بأفضل الممكن وبعض المستحيل، وحينما يجد أنه عجز عن ذلك، يضع القلم ويستقيل حتى لا يقسو على الناس بسياساته وأقواله معاً.

اقرأ أيضًا
تعليقات
Loading...