علي أتبرا يكتب بالقلم السيال ياشباب.. علي سبق شو
* سرقات العظماء (مجهرية) تحتاج تركيزا ودقة وحصافة. وعندما عزم اﻷروبيون أن ينهضوا انفتحوا على حضارات الشعوب وأخذوا منها محاسنها. غير أن تركيزهم الأعلى وانكبابهم الأوفر كان على الحضارة الإسلامية. الأحدث حضورا والأقرب مسافة واﻷوفر كتابة وتوثيقا، ولا زالوا يبنون على قواعدها الراسخة. حتى يخيل إليك أنهم أخذوا خلائق اﻹسﻻم ومعاملاته شاملة، وتركوا طرائقه وعباداته كاملة.
* سأورد هنا نموذجا قد يحتاج تحقيقا بل هو يحتاج التحقيق فعلا. وهو ما ورد حول مكانة العلم الرفيعة، وفضله على المال والمادة.
* فلنقرأ وصية علي بن أبي طالب لصاحبه كميل بن زياد النخعي كرم الله وجه أولهما ورضي عنهما إذ قال له: يا كميل العلم خير من المال. العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تفنيه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق. العلم حاكم والمال محكوم عليه. يا كميل بن زياد محبة العالم دين يدان به. وبه يكسب الانسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته. ومنفعة المال تزول بزواله. مات خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر. أعيانهم مفقودة وأمثلتهم في القلوب موجودة.
* ثم بعد أكثر من ألف عام بعد وفاة علي كرم الله وجهه يأتي الكاتب المسرحي الأشهر، البريطاني جورج برنارد شو ليقول
(إذا كانت لديك تفاحة ولدي تفاحة وقمنا بالتبادل فسوف يكون لكل منا تفاحة واحدة. ولكن إذا كانت لديك فكرة ولدي فكرة، وتبادلنا هذه الأفكار، فستصبح لكل واحدٍ منا فكرتان).
* وإذا علمنا أن عليا بن أبي طالب قد توفي في يناير661 م بينما توفي برنارد شو في نوفمبر 1950م فإنه قد تحقق السبق للأول. وإذا كانت عبارة: (المال تفنيه النفقة) و (العلم يزكو على اﻹنفاق) أي يربو ويزيد قد أصبحت بعبارة برنارد شو: تبادل تفاحتي وتفاحتك لا يزيد من عددها لدي وﻻ لديك ولكن تبادل فكرتي وفكرتك يجعل لدى كل منا فكرتين، فإن أصل المعنى هو نفسه وهو أن العلم يزيد باﻹنفاق.
* فهل اطلع برنارد شو على المعنى الذي ابتكره علي كرم الله وجهه أم أنه توارد خواطر مع الفارق الزماني والمكاني؟
* فإذا كانت اﻷولى فليس لبرنارد شو إلا تغيير اللغة وضرب المثل. وإذا كانت الثانية فشرف للحضارة اﻹسلامية أن تسبق لهذا المعني على لسان أحد عباقرتها وأدبائها وقادتها منذ أمد بعيد.
* ولكن أن يتداول شبابنا اليوم عبر وسائط التواصل اﻻجتماعي مقولة برنارد شو وكأنه رائد هذه الفكرة. وﻻ يعلمون شيئا عن من افترع هذا المعنى غير المسبوق هو ما حرك ريشة هذا القلم اﻻفتراضي انصافا لذك الفتى المفكر الجهبذ واﻷديب اﻷريب صاحب المسألة المنبرية المسجوعة في علم المواريث -العصي على خوي الفؤاد- كرم الله وجهه ورضي عنه وأرضاه.
الصيحة